فلا معنى ولا مورد لوضع الألفاظ للأمور المتصورة في الذهن، سواء تصورها أم لا. والغالب عدم توجه الإنسان إلى المتصورات. ولو كان متوجها إليها أيضا، فلا دليل ولا محصل لوضع اللفظ للأمور الذهنية بعد مشاهدة الخارج بالحس والعيان.
فعلى هذا، الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة حاكية عن المعاني الخارجية، وإشارات وأمارات إليها أولا وبالذات - سواء كانت من أسماء رب العزة جل ثناؤه، أو التي يشار بها إلى الحقائق النورية مثل العقل والشعور والعلم والقدرة والحياة، أو التي يشار بها إلى الأمور المظلمة التي من شأنها أن يعلم بالعلم أو إلى ثبوتها وكونها وبقائها - بخلاف المنتحلين للعلوم المصطلحة. فإن الألفاظ عندهم قوالب والمعاني والمرادات هي المتصورات.
فعلى ما ذكرنا، الأعلام الشخصية - مثل زيد وعمرو - موضوعة للخارج بعينه، من حيث إنه شخص واحد خارجي ويقابلها الألفاظ الموضوعة لتلك الأفراد والمصاديق من حيث ذات الجوهر الذي به امتياز هذا النوع من النوع الآخر، مثل إنسان وفرس وحمار. فبالحقيقة ملاك الشخصية لحاظ الشئ بمشخصاته الخارجية.
ومع غمض العين عنها، يكون اللفظ موضوعا لهذا النوع الممتاز عن غيره. فالفرق بين " زيد " و " إنسان " ليس إلا من حيث لحاظ المشخصات الفردية في زيد وعدم لحاظها في الإنسان. ومعلوم أن الإنسان هو الأفراد الخارجية من غير لحاظ ما به قوام الفردية. وكذلك الكلام في غيره من الأنواع. وقد بحثنا في محله أن ما به تمايز هذه الأنواع بعضها من بعض، هل هو ذاتي لها أو عرضي لها بالعناية العمدية من خالقها وبارئها، الذي صورها وأتقنها وقدرها تحت تدبير علمي عمدي.
فتحصل أن الألفاظ أمارات للخارج - كما أوضحناه - سيما في أسمائه تعالى الحسنى. ضرورة أنه لا معنى لتصوره تعالى كي يمكن وضع اللفظ في مقابل الأمر المتصور. وأما تصوره تعالى بالوجوه والعناوين، فتوصيف له تعالى بما لا يجوز