بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء، وقوما وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وآله - قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي.
فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون. يقول: رب المثل الأعلى عما به مثلوه. ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم. فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به. فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. فليس له شبه ولا مثل ولا عدل. وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره. وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه جهلا بغير علم. فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن. فلذلك قال: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهو مشركون فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها... (1) قوله عليه السلام: " العرش في الوصل متفرد من الكرسي لأنها بابان من أكبر أبواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان ".
أقول: ذكر - عليه السلام - وجه تفرد العرش من الكرسي أي، افتراقه ووجه اقترانهما واشتراكهما أيضا. أما وجه اشتراكهما، فإن العرش والكرسي كليهما من أكبر الغيوب وكلاهما غيبان وفي الغيب مقرونان. أي: أن كلا منهما علم وعيان حقيقي يعلم بهما الغيب. وحيث إن ما علم بهما أمر حادث فلا محالة يكون العلم والإحاطة منقسما بالمعلومات قبل مرتبة الوقوع وفي مرتبة كونها غيبا على الإطلاق ويكون العرش والكرسي بابين لهذه الغيوب، وإن شئت فقل مفتاحين لها.