إن للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله: رب العرش العظيم يقول: الملك العظيم. وقوله: الرحمن على العرش استوى يقول: على الملك احتوى. وهذا ملك الكيفوفية في الأشياء.
ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي. لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب وهما جميعا غيبان وهما في الغيب مقرونان. لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء. هما في العلم بابان مقرونان. لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي. فمن ذلك قال: " رب العرش العظيم ". أي: صفته أعظم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان.
قلت: جعلت فداك، فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها. فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء ويستدلوا على صدق دعواهما. لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز. فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى: رب العرش عما يصفون وهو وصف عرش الوحدانية. لأن قوما أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالى: رب العرش رب الوحدانية عما يصفون، وقوما وصفوه بيدين فقالوا: يد الله مغلولة وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة