لعدم تناهي الموصوف من حيث نفسه وجميع شؤونه وكمالاته، فيستحيل بالضرورة العلم به حضورا أو حصولا، لامتناعه وتأبيه عن المعلومية، وهذا القدس والامتناع من أجل نعوته تعالى وكمالاته، وكل نعوته جليلة. فليس امتناع العلم به من حيث كونه منغمرا في المجهولية والمظلمية، بل العقول الثاقبة والألباب الراسخة هالكة ومضمحلة في قبال الحق المبين الذي ملأ الدهر قدسه ويغشي الأبد نوره. (1) فمن رام التفكر في ساحته، رجع عقله تائها ولبه حيرانا، فلا يمكن أن ينال من قدسه ومجده شيئا قليلا ولا كثيرا بالعلم الحضوري أو الحصولي. ودركه بالمفاهيم العامة ونيله بالعناوين الكلية الذي سموه معرفة وتصورا بالوجه، عين التوصيف المنهي عنه ومن أظهر مصاديقه. إذ هو متوقف على القول بأن الألفاظ موضوعة في مقابل المفاهيم المعقولة ومتوقف أيضا على ثبوت الاشتراك المعنوي وانطباق المفهوم عليه تعالى وعلى غيره في إطلاق واحد، وكلا الدعويين أمران وهميان وخلاف ما هو التحقيق، لقيام ضرورة مذهب أهل البيت عليهم السلام بالبينونة الصفتية بين الخالق والمخلوق وامتناع انطباق المفهوم المحدود على حقيقة غير متناهية من حيث النورية والظاهرية. وقد أسلفنا الكلام في ذلك مستوفى فيما تقدم. (2) وضروري عند أولي الألباب أن تقديسه تعالى عن التوصيفات والتعريفات، لا يلازم نفي صفاته ونعوته التي هي كمال حقيقي لا بد من إثباته في حقه تعالى، سواء كانت من نعوته الذاتية مثل العلم والقدرة والحياة، أو ما يدل عليه جلاله وكبريائه أو أفعاله الحكيمة وسننه القيمة الفاضلة، مثل الربوبية والرحمانية والرحيمية وغيرها. فإن الصفة المنفية هي المعنى المصدري. يقال: وصف، يصف، صفة، مثل وعد، يعد، عدة. وجمعها صفات مثل عدات. وأما صفاته تعالى، فهي أمور عينية واقعية. فالكلام في توصيف تلك النعوت والصفات عين الكلام في توصيف الذات أيضا.
(٢٢٣)