والاعتبار الآخر من حيث اقترانه بالممكنات وشروق نوره على أعيان الموجودات.
وهو سبحانه إذا اعتبر تعين وجوده مقيدا بالصفات اللازمة لكل متعين من الأعيان الممكنة، فإن ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى، وينضاف إليه سبحانه إذ ذاك كل وصف ويسمى بكل اسم ويقبل كل حكم ويتقيد بكل رسم ويدرك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم. وذلك لسريانه في كل شئ بنوره الذاتي المقدس عن التجزي والانقسام والحلول في الأرواح والأجسام، ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء. وهو في كل وقت وحال قابل لهذين الحكمين المذكورين المتضادين بذاته لا بأمر زائد عليه. " (1) أقول: أساس القرآن الكريم والعلوم الإلهية في باب معرفته تعالى وتوحيده وصفاته ونعوته جل ثناؤه على المعرفة الفطرية الضرورية. وهذه المعرفة التي هي صنعه الحكيم وفعله الجميل ليست إلا بتعريفه تعالى نفسه إلى عباده وليس للعباد فيها صنع - وقد تفضل تعالى بها عليهم - وليست بتصور وتعقل وتوهم وإثبات منهم، وليست من باب كشف ما كان مجهولا ومشكوكا. وإنما هي معرفة الرب بالرب، كما بسطنا الكلام في ذلك مستوفى في باب معرفته تعالى وتوحيده.
وإثباته تعالى بالآيات والعلامات، ليس من باب إثبات أمر مجهول ومشكوك بالبرهان المنطقي. ولا يحتاج إثبات آيتية الآيات ومخلوقية العلامات إلى جدال وخصام وإقامة برهان على أنها مجعولة ومخلوقة لله سبحانه. ولا يحتاج أيضا إلى مكاشفة الصوفي. وليست الآيات والعلامات معلولات للعلة الأولى ولا من تطورات الحق الأول وتنزلاته وتعيناته وإنما هي مخلوقات ومصنوعات ومدبرات بالبداهة.