أقول: قد تقدم في البحث عن موقعية العقل في معرفة الله تعالى، أن الله تعالى فطر العقول على معرفته، أي: عرف نفسه بها، وأن المراد من ظهوره تعالى وتجليه سبحانه للعقول هو تعريفه نفسه لها، فإن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه. وهو تعالى مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد. فالعقل أنور شاهد وأصدق برهان على معرفته تعالى خارجا عن الحدين: حد التعطيل والتشبيه.
فيعرف العبد بالعقل وظيفة العبودية من التواضع والأدب والإقرار والإذعان بالشؤون الواجبة بين العابد والمعبود.
قال علي عليه السلام:
الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته. (1) بيان: تجليه تعالى لخلقه، ليس من سنخ ما يتجلى به غيره سبحانه مثل تجلي الشمس والفجر وغيرهما. بل الظاهر أن المراد من تجليه تعالى هو ظهوره الذاتي.
وهذا الظهور والتجلي مبائن بجميع أنحاء التجلي والظهور التي في غيره تعالى بالبينونة الصفتية الذاتية التي هي أشد أنحاء البينونات. فلا جامع بين تجليه تعالى وبين تجلي ما سواه سبحانه. فهو سبحانه ظاهر لعباده بالآيات والعلامات، كما هو صريح قوله عليه السلام: " لخلقه بخلقه "، أي: ما خلق الله سبحانه من المخلوق الذي لا ريب في كونه مخلوقا بإيجاده وحادثا بإحداثه وباقيا بإبقائه.
قوله عليه السلام: " الظاهر لقلوبهم بحجته " بمنزلة التفريع من الجملة السابقة.
لوضوح أنه إذا كان وجوده سبحانه متجليا لخلقه، فلا محالة لا يتمكن أحد من الارتياب فيه تعالى فيتم الحجة على الخلق.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: