وثانيا: إن ما قالوا من أن الإنسان يتذكر في الآخرة ما عمل في الدنيا، لا دليل عليه بل الدليل على خلافه. قال تعالى:
كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر * ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر. (1) الظاهر من الآيات الكريمة والروايات المباركة أن طريق الإنباء هو إراءة كتاب عمله والمراد من قوله تعالى: بما قدم ما كان قبل موته من الأعمال الصالحة والمعاصي. وأخر، أي: بعد موته من الصالحات، مثل بناء مسجد أو قنطرة أو كتابة علم يستفاد منه بعد موته، ومن الأعمال السيئة، مثل كتاب ضلال أو بدعة وتحريف يعمل بها الناس، وأمثال ذلك. وهذا مثل قوله تعالى: إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين. (2) وقال تعالى:
إذا الشمس كورت *... * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت. (3) الظاهر من الآيات الكريمة أن الإنسان في هذا الموقف يتمكن من إحضار ما كان غائبا عنه من أعماله فيكون واجدا له.
وقال تعالى:
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. (4) روى العياشي عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة، دفع إلى الإنسان كتابه، ثم قيل له: اقرأه. قلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: