على بطلان ما يمكن أن يتوهم من الجبر.
تذكرة 1 - أنت إذا أحكمت ما ذكرنا، تعرف أن المراد من كينونة الإنسان قبل الدنيا لها مراتب مرتبة على بعض رتبة أو زمانا. أي: إن المعرفة الإنسان في عالم الطينة مقدمة من حيث الرتبة على غيرها، ومعرفة الإنسان في عالم الأرواح مقدمة رتبة وزمانا على عالم الذر - أي قبل الأبدان - بألفي عام، ومرتبة معرفة الإنسان بروحه وبدنه في عالم الذر مقدمة على معرفته في الدنيا، مع مزيد خصوصية في كل واحدة واحدة منها.
ومنه يعلم أن ما ذكرناه من الروايات لا تناقض ولا تعارض بينها. فإن من شرائط التعارض وحدة المرتبة في المتعارضين. وثانيا: إن التعارض إنما يتصور بين النفي والإثبات ولا محصل للتعارض في المثبتات. ضرورة أن إثبات شئ لشئ لا ينافي إثباته لشئ آخر.
وأما الآية الكريمة، فظاهرة في مفادها بل صريحة في مفادها. فلا مجوز للتأويلات الباردة التي لا تناسب ساحة القرآن الكريم. والمراد من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هي معرفته تعالى وتوحيده. غاية الأمر أن هذه المعرفة بسيطة لا يعرف الإنسان أنه يعرف وإنما يحتاج إلى تذكير المذكرين وإرشاد المنبهين.
وموقف هذه المعرفة مرتبة كينونة الإنسان قبل مرتبة الدنيا، وخاصة عند مخاطبته تعالى الخلق في عالم الذر بقوله: ألست بربكم، لا أن يكون المراد من الفطرة هو الاستعداد الموهوم الذي أودعه في النطفة عند خروجها إلى عالم الدنيا.
تذكرة 2: العمدة في الدلالة على عالم الذر هو قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم... وأما الروايات الدالة على، إخراج الذرية من ظهر آدم أو كون أخذ الميثاق في ظهر آدم، فلا نقول فيها من هذه الجهة شيئا لا نفيا ولا إثباتا.
وأما من حيث أن فيها دلالة على كينونة الإنسان قبل مرتبة النسل، فهو أمر مسلم