قال: فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية بالبكاء والعويل، وجعل يدعو بعضهم بعضا: " هلكتم وما تعلمون! ". فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله، وفي أهل بيته، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة.
فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا بن رسول الله، سامعون مطيعون، حافظون لدمائك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك رحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذه ترت وترتنا عمن ظلمك وظلمنا (1)، وبرء منه.
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): هيهات هيهات أيتها الغدرة المكرة! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل، كلا ورب الراقصات (2) إلى منى، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم يأنس (فلم ينسني) ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين شق لهازمي (3) ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش (4) صدري، ومسألتي ألا تكونوا لنا ولا علينا، ثم قال:
لا غرو إن قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين وأكرما فلا تفرحوا يا آل كوفان بالذي * أصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشط النهر نفسي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما ثم قال: رضينا منكم رأسا برأس، فلا يوم لنا، ولا يوم علينا. (5)