أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من الأمم السالفة، توقف وتفهم، وانظر إليه! أي عز ملك، أو نعيم أنس، أو بشاشة ألف، إلا نغصت أهله قرة أعينهم! وفرقتهم أيدي المنون، وألحقتهم بتجافيف التراب! فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون، وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا في الأرض هامدون.
وآليت لا تبقى الليالي بشاشة * ولا جدة إلا سريعا خلوقها وفي مطامع أهل البرزخ، وخمود تلك الرقدة، وطول تلك الإقامة، طفئت مصابيح النظر، واضمحلت غوامض الفكر، وذم الغفول أهل العقول. وكم بقيت متلذذا في طوامس (1) هوامد (2) تلك الغرفات، فنوهت بأسماء الملوك، وهتفت بالجبارين، ودعوت الأطباء والحكماء، وناديت معادن الرسالة والأنبياء، أتملل تملل السليم، وأبكي بكاء الحزين، وأنادي ولات حين مناص.
سوى أنهم كانوا فبانوا وإنني * على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب الفهم، وغضاضة فطن العقول، بتذكر قلب جريح، فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة، ومن عجب كيف يسكن إليها من يعرفها، وقد استذهلت عقله بسكونها، وتزين المعاذير، وخسأت أبصارهم عن عيب التدبير، وكلما تراءت الآيات ونشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية، وحالهم وما بهم، وكيف كانوا، وما الدنيا وغرور الأيام.
وهل هي إلا لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها (3) وقد أغرق في ذم الدنيا الأدلاء على طرق النجاة من كل عالم، فبكت العيون