بلى أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء ما لهن مصادر فلما رأى أن لا نجاة وأنه * هو الموت لا ينجيه منه التحاذر (1) تندم إذا لم تغن عنه ندامة * عليه وأبكته الذنوب الكبائر إذ بكى على ما أسلف من خطاياه، وتحسر على ما خلف من دنياه، واستغفر حيث ما لا ينفعه الاستغفار (2)، ولا ينجيه الاعتذار عند هول المنية، ونزول البلية.
أحاطت به أحزانه (3) وهمومه * وأبلس (4) لما أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارج * وليس له مما يحاذر ناصر وقد جشأت (5) خوف المنية نفسه * ترددها منه اللهاة (6) والحناجر هنالك خف عنه عواده، وأسلمه أهله وأولاده، وارتفعت الرنة والعويل، ويأسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدوا عند خروج روحه رجليه، وتخلى عنه الصديق والصاحب الشفيق.
فكم موجع يبكي عليه تفجعا * ومستنجد صبرا وما هو صابر ومسترجع داع له الله مخلصا * يعدد منه كل خير ما هو ذاكر وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل للذي (7) صار صائر فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه،