وأيم الله، لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وصرف الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون، ولا قوة إلا بالله.
فازهدوا فيما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا، فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق: (إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط بهى نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاهآ أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون). (1) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، فلا تركنوا إلى الدنيا، فإن الله قد قال لمحمد نبيه (صلى الله عليه وآله) ولأصحابه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2)، ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فإنها دار بلغة، ومنزل قلعة (3)، ودار عمل، فتزودوا فإن خير الزاد الأعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها (4)، وقبل الإذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها، وهو ولي ميراثها، فاسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى، والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة، فإنما نحن به وله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (5)