أين من شق الأنهار؟ وغرس الأشجار؟ وعمر الديار؟ ألم تمح منهم الآثار؟
وتحل بهم دار البوار؟ (1) فاخش الجوار، فلك اليوم بالقوم اعتبار، فإنما الدنيا متاع، والآخرة دار القرار.
تخرمهم (2) ريب المنون فلم تكن * لتنفعهم جناتهم والحدائق ولا حملتهم حين ولوا بجمعهم * نجائبهم والصافنات السوابق وراحوا عن الأموال صفرا وخلفوا * ذخائرهم (3) بالرغم منهم وفارقوا (4) أين من بنى القصور والدساكر؟ وهزم الجيوش والعساكر؟ وجمع الأموال والذخائر؟ وحاز الآثام والجرائر (5)، أين الملوك والفراعنة؟ والأكاسرة والسياسنة (6)؟
أين العمال والدهاقنة؟ أين ذوو النواحي والرساتيق؟ والأعلام والمناجيق، والعهود والمواثيق.
كأن لم يكونوا أهل عز ومنعة * ولا رفعت أعلامهم والمناجق ولا سكنوا تلك القصور التي بنوا * ولا أخذت منهم بعهد مواثق وصاروا قبورا دارسات وأصبحت * منازلهم تسفي عليها الخوافق ما هذه الحيرة والسبيل واضح! والمشير ناصح! والصواب لائح! عقلت فأغفلت، وعرفت فأنكرت، وعلمت فأهملت، هو الداء الذي عز دواؤه، والمرض الذي لا يرجى شفاؤه، والأمل الذي لا يدرك انتهاؤه، أفأمنت الأيام، وطول الأسقام، ونزول الحمام، والله يدعو إلى دار السلام!