قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله الناس من حفرهم عزلا مهلا (1)، جردا مردا في صعيد واحد، يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر، فيركب بعضهم بعضا، ويزدحمون دونها، فيمنعون من المضي، فتشتد أنفاسهم، ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم، ويشتد ضجيجهم، وترفع أصواتهم، وهو أول هول من أهوال القيامة.
فعندها يشرف الجبار تبارك وتعالى من فوق العرش (2)، ويقول: يا معشر الخلائق، انصتوا واسكتوا، واسمعوا منادي الجبار.
فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فتنكسر أصواتهم عند ذلك، فتخشع قلوبهم، وتضطرب فرائصهم، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت، مهطعين إلى الداعي، ويقول الكافر: هذا يوم عسير.
فيأتي النداء من قبل الجبار (3): أنا الله لا إله إلا أنا، الحكم الذي لا يجور، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي، لا يظلم اليوم عندي أحد، آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة من القصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم، ولا أحد عنده مظلمة، إلا مظلمة يهبها لصاحبها، وأثيبه عليها، وآخذ له بها عند الحساب، فتلازموا أيها الخلائق، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا، وأناشدكم عليها (4)، وكفى بي شهيدا.
فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحد له مظلمة عند أحد أو حق إلا لزمه، فيمكثون ما شاء الله، فيشتد حالهم، ويكثر عرقهم، ويشتد غمهم، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد، ويتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها.