وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان، ليذر القلوب (1) عن تنبيهها، وتذهلها عن موجود الهدى، ومعرفة أهل الحق، إلا القليل ممن عصم الله - جل وعز -، وليس يعرف تصرف أيامها، وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها، إلا من عصمه الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك سبيل (2) القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في نعيم دار الآخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ (3) الحياة مع القوم الظالمين.
فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة (4)، حديدة النظرة، وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور ملوك الظلمة، فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي، والفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى طاعته، وطاعة من هو أولى بالطاعة، ممن اتبع فأطيع، فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة، والقدوم على الله، والوقوف بين يديه، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم، وساء مصيرهم، وما العز (5) بالله والعمل بطاعته إلا ألفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له، ورغبوا إليه، وقد