واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخف ما احتملت، أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دعيت.
فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا، ولم ترد باطلا حين أدناك، وأحببت من حاد الله. أو ليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطبا أداروا بك رحا مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم، إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا، فكيف ما خربوا عليك، فانظر لنفسك، فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه، صغيرا كان أو كبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) (1) إنك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت بالرحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس لمن يموت، وتبقى ذنوبه من بعده.
احذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت، إنك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسب إني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب (2) من دينك، وذكر قول الله تعالى