والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلا من فضله فلو لم نعتدد من فضله إلا بها، لقد حسن بلاؤه عندنا، وجل إحسانه إلينا، وجسم فضله علينا، فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا (1)، لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به، ولم يكلفنا إلا وسعا، ولم يجشمنا إلا يسرا، ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذرا، فالهالك منا من هلك عليه، والسعيد منا من رغب إليه.
والحمد لله بكل ما حمده به أدنى ملائكته إليه، وأكرم خليقته عليه، وأرضى حامديه لديه، حمدا يفضل سائر الحمد، كفضل ربنا على جميع خلقه، ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا، وعلى جميع عباده الماضين والباقين، عدد ما أحاط به علمه من جميع الأشياء، ومكان كل واحدة منها، عددها أضعافا مضاعفة أبدا سرمدا إلى يوم القيامة، حمدا لا منتهى لحده ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمده، حمدا يكون وصلة إلى طاعته وعفوه، وسببا إلى رضوانه، وذريعة إلى مغفرته، وطريقا إلى جنته، وخفيرا (2) من نقمته، وأمنا من غضبه، وظهيرا على طاعته، وحاجزا عن معصيته، وعونا على تأدية حقه ووظائفه، حمدا نسعد به في السعداء من أوليائه، ونصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه، إنه ولي حميد.
و (3) الحمد لله الذي من علينا بمحمد نبيه (صلى الله عليه وآله)، دون الأمم الماضية، والقرون السالفة، بقدرته التي لا تعجز عن شئ وإن عظم، ولا يفوتها شئ وإن لطف، فختم بنا على جميع من ذرأ (4)، وجعلنا شهداء على من جحد، وكثرنا على من قل.