بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): " نحن نور لمن تبعنا، ونور لمن اقتدى بنا ". (1) مما لا شك فيه أن نور الأئمة الأطهار، بلغ وما انفك يبلغ الأجيال التي تلتهم عن طريق أحاديثهم وكلماتهم، التي يبينون فيها لأتباعهم حقيقة الدين والهداية. وقد تحمل الرواة والمحدثون الكبار على امتداد التاريخ، مشقة نقل الحديث وأدائه على أحسن وجه ممكن؛ من رواية وكتابة وإجازة وغير ذلك، لينهضوا - بصفتهم ورثة هذا الإرث القيم والثمين - بمهمة إيصاله بكل أمانة إلى شيعة وموالي تلك الأنوار الإلهية، ويبينوا للناس سبل الهداية.
الإمام الرابع سيد الساجدين وزين العابدين، علي بن الحسين (عليه السلام) واحد من هؤلاء الأئمة العظام، وقد عاش في ظروف بالغة الصعوبة، إذ تصدى لشؤون الإمامة ابتداء من عام 61 ه إلى عام 94 ه واضطلع بمهمة الجهاد والمقاومة في تلك الظروف، التي كان فيها خلفاء بني أمية سكارى بنشوة انتصارهم الظاهري على أهل البيت. وشهد هذا الإمام واقعة كربلاء، وشارك أباه في وقائع الثورة وفي ميادين القتال. وأخذ بعد ذلك مع من أخذ من سبايا كربلاء. وكان حضوره وخطبته الغراء، قد قلبت الانتصار الظاهري لبني أمية إلى مرارة في أفواههم.
وبعد ان عاد الإمام السجاد إلى المدينة، إتبع سياسة تقوم على مبدأ فضح بني أمية، ثم انتهج بعد ذلك أسلوب الصمت، ليوفر بذلك الفرصة الكافية، لإعادة الأمل إلى نفوس شيعته والمبادرة إلى تعليمهم وتربيتهم.
نهض الإمام في تلك الفترة بمهمة تعليم القرآن وتفسيره، فأدى تلك المهمة خير أداء. وحارب المعتقدات المخالفة لحقيقة الإسلام كالجبر، والتشبيه، والتجسيم، والارجاء. وأعلن في تلك الظروف الحساسة المليئة بالخوف والرعب، إمامته وولايته، وأعلن في الوقت المطلوب أيضا إمامة وولاية ولده.
اختار (عليه السلام) أسلوب التربية الأخلاقية، والرقي الأخلاقي كطاقة محركة للشيعة، ومسلك الزهد والعبادة كمعالم وملامح مبينة لطبيعة شخصيته، ومنهج البكاء على سيد الشهداء كوسيلة لاحياء واقعة كربلاء واتخاذها كسلاح للمجابهة والاصلاح في مقابل الفساد السياسي والاجتماعي للأمويين. ووصف عمال الحكومة بأعوان الظلمة، مستنكرا بأساليب بيانية ساخطة أي نوع من التعاون معهم. حتى بات الخلفاء