فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب، وعلت الأصوات، فخاف يزيد الفتنة، فأمر المؤذن أن يقطع عليه خطبته (1)، فصعد المنبر وأذن، وقال: الله أكبر، قال الإمام (عليه السلام): " كبرت تكبيرا، وعظمت تعظيما وقلت حقا "، ثم قال المؤذن:
أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الإمام: " أشهد بها مع كل شاهد، وأقر بها مع كل جاحد ". ثم قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الإمام بعد أن بكى بكاء عاليا: " يا يزيد، أسألك بالله، محمد جدي أم جدك؟ ". فقال يزيد: بل جدك، فقال الإمام: " فلم قتلت أهل بيته؟ وقتلت أبي، وأيتمتني على صغر سني؟ " فما أجابه، ورجع إلى محله، وقال: ليس لي حاجة بالصلاة. (2) أقول: كررت هذه الخطبة للاختلاف الكثير فيها، بحيث يستقل كل واحد منها أن تكون رأسا بعينها، والمسك ما كررته يتضوع.
(ومن خطبة له (عليه السلام)) (لما وصل إلى المدينة فأومأ بيده أن اسكتوا، فسكنت فورتهم) فقال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظام الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة (3)، الفادحة الجائحة (4).
أيها القوم - الناس -: أن الله تعالى - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) وعترته، وسبي نساؤه وصبيته،