الخالية، وحال دون ذلك النسيم هبوات (1) وحسرات، وكانت حركات فسكنت، وذهب كل عالم بما فيه.
فما عيشة إلا تزيد مرارة * ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها فكيف يرقأ دمع لبيب؟! أو يهدأ طرف متوسم على سوء أحكام الدنيا، وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات، وسكون الحركات! وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي تفجع الآباء بالأبناء؟! وتلهي الأبناء عن الآباء! تعدمهم أشجان قلوبهم، وتسلبهم قرة عيونهم.
وترمي قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق لا يبوخ حريقها (2) وما عسيت أن أصف محن الدنيا، وأبلغ عن كشف الغطاء، عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب، ولست أذكر منها إلا قليلا منه أفنته، أو مغيب ضريح تجافت عنه، فاعتبره أيها السامع بهلكات الأمم، وزوال النعم، وفظاعة ما تسمع وتروى من سوء آثارها في الديار الخالية، والرسوم الفانية، والربوع الصموت. (3) وكم عالم أفنت فلم تبك شجوة * ولابد أن تفنى سريعا لحوقها فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ (4)، وتأمل معاقل الملوك، ومصانع الجبارين، وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء، وجاهرتهم بالمنكرات، وسحبت عليهم أذيال البوار، وطحنتهم طحن الرحا للحب، واستودعتهم هوج الرياح (5)، تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض.
فتلك مغانيهم وهذي قبورهم * توارثها أعصارها وحريقها (6)