عجبا لغافل عن صلاحه، مبادرا إلى لذاته وأفراحه، والموت طريده في مسائه وصباحه، فيا قليل التحصيل، ويا كثير التعطيل، ويا ذا الأمل الطويل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (1). بناؤك للخراب، ومالك للذهاب، وأجلك إلى اقتراب.
وأنت على الدنيا حريص مكاثر * كأنك منها بالسلامة واثق تحدثك الأطماع أنك للبقاء * خلقت وإن الدهر خل موافق كأنك لم تبصر أناسا ترادفت * عليهم بأسباب المنون اللواحق هذه حالة من لا يدوم سروره، ولا تتم أموره، ولا يفك أسيره، أتفرح بمالك ونفسك، وولدك وعرسك، وعن قليل تصير إلى رمسك، وأنت بين طي ونشر، وغنى وفقر، ووفاء وغدر، فيا من القليل لا يرضيه، والكثير لا يغنيه، اعمل ما شئت إنك ملاقيه: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه). (2) سيقفر بيت كنت فرحة (3) للأهله * ويهجر مثواك الصديق المصادق وينساك من صافيته وألفته * ويجفوك ذو الود الصحيح الموافق على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة * وميت ومولود وقال ووامق أف لدنيا لا يرقى سليمها، ولا يصح سقيمها، ولا يندمل كلومها (4)، وعودها كاذبة، وسهامها صائبة، وآمالها خائبة، لا تقيم على حال، ولا تمتع بوصال، ولا تسر بنوال:
وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تعبده أفعالها والطرائق يسر بها من ليس يعرف غدرها * ويسعى إلى تطلابها ويسابق إذا عدلت جارت على أثر عدلها * فمكروهة أفعالها (5) والخلائق