أن يحسن صحبة نعمة الله، ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت، ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها، وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله.
20. وأما حق رعيتك بملك اليمين:
فأن تعلم أنه خلق ربك، ولحمك ودمك، وأنك تملكه، لا أنت صنعته دون الله، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا، ولا أجريت له رزقا، ولكن الله كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه لتحفظه فيه، وتسير فيه بسيرته، فتطعمه مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كرهته، خرجت إلى الله منه، واستبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الرحم 21. فحق أمك:
فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يطعم أحد أحدا، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها، وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة، مؤابلة (1) محتملة لما فيه مكروهها وألمها، وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة، وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها، وكأن بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا، وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدير عليه إلا بعون الله وتوفيقه.