هذا بالإضافة إلى صحة سند ما روي عن عمر، وكثرة الناقلين له، وعدم نقل ذلك عن سلمان إلا عند ابن سعد في طبقاته.
وإذا كان الراجح - إن لم يكن هو المتعين - أن سلمان لم يتدخل في هذا الامر، ولا خالف النهي المتوجه إليه من قبل رسول الله (ص).
وإذا كان النهي إنما توجه إلى سلمان، لا إلى عمر، فإن إقدام عمر على هذا الامر، يصبح أكثر معقولية، وأقرب احتمالا.
فهو قد أراد أن يجرب حظه في هذا الامر أيضا، ولعله يريد إظهار زمالته للرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو القائل (أنا زميل محمد) (1)، فكما أن النخل يثمر على يد رسول الله (ص)، فإنه يثمر على يده أيضا وكما أن الرسول يقوم ببعض الأعمال، فإن غيره أيضا، قادر على أن يقوم بهما، فليس ثمة فرق كبير - فيما بينهم وبينه (ص)، على حد زعمه، أو هكذا خيل له على الأقل.
وأما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ينهى سلمان عن أن يغرس شيئا منها، فإنه قد تردد في ذلك، وحاذر من أن يتعرض لغضب النبي (ص)، وإنكاره ثم تشجع أخيرا، وجرب حظه في نخلة واحدة، الامر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الآخرين، ولم يقدم عليه لا أبو بكر، ولا غيره. وقد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة.
ولكن شاءت الإرادة الإلهية: أن يحفظ ناموس النبوة، وأن تخيب كل الطموحات، وتتحطم كل الآمال، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس، أو تستفيد منه في مسار انحرافي آخر، لا يلتقي معه، ولا ينتهي إليه، وتجلى هذا اللطف الإلهي في أن النخل قد أثمر كله، سوى هذه،