حتى صار إلى حلوان، وبها يومئذ جرير بن عبد الله البجلي في قريب من ثمانية آلاف من المسلمين غير أنه متمسك بحلوان فلا يقدر أن يجوزها إلى غيرها، فأقبل عروة حتى نزل عنده ثم ودعه وخرج يريد همذان، وبها يومئذ رجل من عظماء الأعاجم يقال له كفتار في جمع يسير من الفرس، فلما أحس بخيل المسلمين أنها قد وافته رحل من همذان حتى صار إلى قم فنزلها، ودخل المسلمون إلى حصن همذان فاحتووا عليه وعلى ما قدروا عليه من الأطعمة والعلوفة وغير ذلك، وأقاموا بهمذان أياما ثم رحلوا منها يريدون الري، وبساوة (1) يومئذ رجل من ملوك الأعاجم يقال له داور بن أزدهان في عشرة آلاف فارس من أهل بلدة وأهل الرستاق من الدستبي، فلما بلغه مسير المسلمين إلى ما قبله نادى في أصحابه وخرج عن ساوة هاربا حتى صار إلى الري ونزل المسلمون بساوة.
وبلغ ذلك ملك الري فرخنداد بن يزدامهر الأكبر (2) فاغتم بمسير المسلمين واستنهض أهل الري فأجابوه في عشرين ألفا، قال: واجتمع إليه الديلم (3) في مثل ذلك، فسار فرخنداد في قريب من أربعين ألفا، وبلغ ذلك المسلمين وهم نزول بساوه في عشرة آلاف كأنهم جزعوا من عساكر الديلم وأهل الري، فجعل أميرهم عروة بن زيد الخيل يشجعهم وينهاهم عن الفشل ويحثهم عن الجهاد لعدوهم.
قال: ثم إنه نادى بالرحيل نحو الري، فسار المسلمون يوما وثانيا وثالثا حتى نزلوا على ثلاثة فراسخ من الري، وبلغ ذلك ملك الري فخرج إلى المسلمين في زهاء أربعين ألفا، ودنا القوم بعضهم من بعض، وعبى عروة بن زيد الخيل أصحابه، فجعل على ميمنته أخاه حنظلة بن زيد الخيل، وعلى ميسرته سماك بن عبيد (4) العبسي، وعلى الجناح سويد بن مقرن المزني، قال: وتقدم عروة بن زيد الخيل حتى وقف على القلب في جماهير المسلمين وأبطال العرب ثم قال: أيها الناس! إنه ليس ينبغي لمن علم أن الجنة مأوى المتقين وأن النار مثوى الكافرين أن يجزع من كثرة هؤلاء الأعاجم، فوالله! إنكم لأنتم الذين فتحتم القادسية والمدائن