وقد علمت أني كنت في عزلة عنه، وأما قتلة عثمان فلعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تطلبهم في (1) بر ولا بحر، وقد كان أبوك أبو سفيان جاءني في الوقت الذي بايعت الناس فيه أبا بكر فقال: (لانت أحق الناس بهذا الامر من غيرك وأنا أؤيدك على من خالفك، ولئن شئت لأملأن المدينة خيلا ورجلا على ابن أبي قحافة) فلم أقبل ذلك، والله يعلم أن أباك قد فعل ذلك حتى كنت أنا الذي أبيت عليه مخافة الفرقة بين أهل الاسلام (2)، فإن تعرف حقي ما كان أبوك يعرفه فقد أصبت رشدك، وإن أبيت فها أنا قاصد إليك - والسلام -.
قال: فكتب إليه معاوية: أما بعد! فإن الله تبارك وتعالى اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بعلمه، وجعله الأمين على وجيه، والرسول إلى خلقه، واجتبى له من المهاجرين والأنصار وخيار المسلمين أعوانا ووزراء وأصحابا، أيده بهم، فكانوا عنده على قدر فضائلهم ومنازلهم في الاسلام، فكان أفضل أصحابه في إسلامه وأنصحهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم الخليفة من بعده، أبو بكر الصديق، وخليفة الخليفة عمر بن الخطاب، وثالث الخلفاء عثمان بن عفان، فأما الصديق والفاروق فما زلت لهما مبغضا عدوا حتى مضيا لسبيلهما محمودين، ثم بغيت أشد البغي على ابن عمك عثمان بن عفان، فكان الواجب أن لا تفعل به ذلك لقرابته وصهره، فقطعت رحمه وقبحت محاسنه وألبت الناس عليه حتى ضربت عليه آباط الإبل من الآفاق، وقدت إليه الخيل العراب، وحملت عليه السلاح في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتل معك في المحلة وأنت تسمع (3) الداعية في داره، ولا ترى الناس من نفسك أنك نصرته بقول ولا فعل، وأقسم بالله قسما صادقا أن لو قمت في أمره مقاما واحدا فنهنهت عنه الناس لما عدل بك أحد من الناس، ولكنك أحببت قتله، والدليل على ذلك تعظيمك لأقدار قتلته، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك، ثم إنك تنتفي وتتبرأ من دمه، فإن كنت صادقا مكنا من قتلة عثمان حتى نقتلهم به ونحن أسرع الناس إجابة لك، فإن فعلت ذلك كان الامر على ما تريد، وإلا فليس لك ولأصحابك عندي إلا السيف (4) - والسلام -.