عرفته كمعرفتي لم تكن تجاوزه حتى تبكي لبكائي، قال: ثم بكى علي رضي الله عنه بكاء شديدا، حتى اخضلت لحيته بدموعه وسالت الدموع على صدره، ثم جعل يقول: أواه! ما لي ولآل أبي سفيان! ثم التفت إلى الحسين رضي الله عنه فقال:
اصبر أبا عبد الله! فلقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى من بعدي.
قال: ثم جعل علي رضي الله عنه يجول في أرض كربلاء كأنه يطلب شيئا، ثم نزل ودعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة، ثم قام فصلى ما شاء أن يصلي والناس قد نزلوا هنالك من قرب نينوى (1) إلى شاطئ الفرات، قال: ثم خفق برأسه خفقة فنام وانتبه فزعا فقال: يا بن عباس! ألا أحدثك بما رأيت الساعة في منامي؟ فقال:
بلى يا أمير المؤمنين! فقال: رأيت رجالا بيض الوجوه، في أيديهم أعلام بيض، وهم متقلدون بسيوف لهم، فخطوا حول هذه الأرض خطة، ثم رأيت هذه النخيل وقد ضربت بسعفها الأرض، ورأيت نهرا يجري بالدم العبيط، ورأيت ابني الحسين وقد غرق في ذلك الدم وهو يستغيث فلا يغاث، ثم إني رأيت أولئك الرجال البيض الوجوه الذين نزلوا من السماء وهم ينادون: صبرا آل الرسول صبرا! فإنكم تقتلون على أيدي أشرار الناس، وهذه الجنة مشتاقة إليك يا أبا عبد الله! ثم تقدموا إلي فعزوني و قالوا: أبشر يا أبا الحسن! فقد أقر الله عينك بابنك الحسين غدا يوم يقوم الناس لرب العالمين، ثم إني انتبهت، فهذا ما رأيت، فوالذي نفس علي بيده!
لقد حدثني الصادق المصدوق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أني سأرى هذه الرؤيا بعينها في خروجي إلى قتال أهل البغي علينا، وهذه أرض كربلاء الذي يدفن فيها ابني الحسين وشيعته وجماعة من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذه البقعة المعروفة في أهل السماوات تذكر بأرض كرب و بلاء، وليحشرن منها قوم يدخلون الجنة بلا حساب.
ثم قال: يا بن عباس! اطلب لي حولها صيران الظباء، فطلبها ابن عباس فوجدها، ثم قال: يا أمير المؤمنين! قد أصبتها، فقال علي رضي الله عنه: الله أكبر! صدق الله ورسوله.
ثم قام علي رضي الله عنه يهرول نحوها حتى وقف عليها، ثم أخذ قبضة من بعر الظباء فشمها، فإذا لها لون كلون الزعفران ورائحة كرائحة المسك، فقال علي