رضي الله عنه: نعم هي هذه بعينها، ثم قال: أتعلم ما هذه يا بن عباس؟ قال: لا يا أمير المؤمنين! فقال: إن المسيح عيسى بن مريم قد مر بهذه الأرض ومعه الحواريون، فشم هذا البعر كما شممته، وأقبلت إليه الظباء حتى وقفت بين يديه، فبكى عيسى وبكى معه الحواريون وهم لا يدرون لماذا يبكي عيسى عليه السلام، فقالوا: يا روح الله! ما يبكيك؟ ولماذا اختلست ههنا؟ فقال لهم: أتعلمون ما هذه الأرض؟ قالوا: لا يا روح الله! فقال: هذه أرض يقتل عليها فرخ الرسول أحمد المصطفى وفرخ ابنته الزهراء قرينة الطاهرة البتول مريم بنت عمران، ثم ضرب بيده عيسى إلى بعر الظباء فشمه وقال: يا معشر الحواريين! هذا بعر الظباء على هذا الطيب لا [نه] كان [من] حشيش هذه الأرض، ثم مضى عيسى ابن مريم صلوات الله عليه وقد بقيت هذه البعرات إلى يومنا هذا من ذلك الدهر، حتى أنها قد اصفرت لطول الزمان عليها، فهذه أرض الكرب والبلاء.
قال: ثم بكى علي رضي الله عنه وقال: يا رب عيسى! لا تبارك في قاتل ولدي والعنه لعنا كثيرا! ثم اشتد بكاء علي وبكى الناس معه حتى سقط على وجهه وغشي عليه، ثم أفاق فوثب فصلى ثماني ركعات وسلم من كل ركعتين، فكلما سلم جعل يتناول من ذلك البعر فيشمه، ويقول: صبرا أبا عبد الله! صبرا يا ثمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانة حبيب الله! ثم أخذ كفا من ذلك البعر فصره في ثوبه وقال:
لا يزال هذا مصرورا أبدا أو يأتي علي أجلي. ثم قال: يا بن عباس! إذا رأيتها من بعدي وهي تسيل دما عبيطا، فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل. قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أشد تحافظا لها بعد علي بن أبي طالب وأنا لا أحلها عن طرفي.
قال ابن عباس: فلما رجع علي رضي الله عنه من صفين وفرغ من أهل النهروان دخل عليه الأعور الهمداني، فقال له علي رضي الله عنه: يا حارث!
أعلمت أني منذ البارحة كئيب حزين فزع وجل؟ فقال الحارث: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ أندما منك على قتال أهل الشام وأهل البصرة والنهروان؟ فقال: لا، ويحك يا حارث! وإني بذلك مسرور، ولكني رأيت في منامي أرض كربلاء، ورأيت ابني الحسين مذبوحا مطروحا على وجه الأرض، ورأيت الأشجار منكبة، والسماء مصدعة، والرحال متطأمنة، وسمعت مناديا ينادي بين السماء والأرض وهو يقول: أفزعتمونا يا قتلة الحسين أفزعكم الله وقتلكم! ثم إني انتبهت وأنا منه على