وأنتم إذ ذلك أعداء الرسول، تكذبون بالكتاب وتجمعون على حرب المسلمين، حتى أظهر الله دينه وأدخل فيه الأمة الطائعين والكارهين، فليس ينبغي لمن كان له قلب أن يجهل أمره وقدره ويتعدى حده وطوره، وقد علمت يا معاوية أن أولى الناس بهذا الامر أقربهم من الرسول، وأعلمهم بكتاب الله عز وجل، وأولهم إسلاما وأكثرهم جهادا، فاتقوا الله الذي إليه ترجعون، ولا تلبسوا الحق بالباطل، فإن خير عباد الله الذين يعملون بما يعلمون، وإني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (1)، فإن قبلتم أصبتم رشدكم وأخذتم (2) حظكم، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق العصا لهذه الأمة لن تزدادوا من الله إلا بعدا ولن يزداد عليكم إلا سخطا - والسلام -.
قال: فكتب إليه معاوية (3): أما بعد! فإن الحسد عشرة أجزاء، تسعة منها فيك وواحد في سائر الناس، وذلك أنه لم تكن أمور هذه الأمة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا وله قد حسدت، وعليه قد بغيت، عرفنا ذلك منك في نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك على الخلفاء، تقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل الشارد (4) حتى تبايع وأنت كاره، ثم إني لا أنسى فعلك بعثمان بن عفان في البر والبحر والجبال والرمال، حتى تقتلهم أو لتلحقن أرواحنا بالله - والسلام -.
قال (5): وكتب إليه علي رضي الله عنه: أما بعد! فإنه أتاني كتابك تذكر فيه حسدي للخلفاء وإبطائي عنهم، فأما الحسد فمعاذ الله أن يكون ذلك! وأما الابطاء عنهم والكره لامرهم فلست أعتذر من ذلك إليك ولا إلى غيرك، وذلك أنه لما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم واختلفت الأمة قالت قريش: منا الأمير، وقالت الأنصار: بل منا، وقالت قريش: محمد منا ونحن أحق بالامر منكم، فسلمت الأنصار لقريش الولاية والسلطان، وإنما استحقها قريش بمحمد دون الأنصار، فنحن أهل البيت أحق بهذا الامر من غيرنا، فأما عثمان فإنه فعل ما قد علمت، ففعلت به الناس ما قد بلغك،