وجهه، ثم قال: من كتب إلي هذا الكتاب؟ فقال العنزي: كتبه إليك ناس كثير من صلحاء أهل الكوفة وقرائها وأهل الدين والفضل، فقال عثمان: كذبت! إنما كتبه السفهاء وأهل البغي والحسد، فأخبرني من هم؟ فقال العنزي: ما أنا بفاعل، فقال عثمان: إذا والله أوجع جنبك وأطيل حبسك، فقال العنزي: والله لقد جئتك وأنا أعلم أني لا أسلم منك، فقال عثمان: جردوه! فقال العنزي: وهذا كتاب آخر فاقرأه من قبل أن تجردني، فقال عثمان: آت به، فناوله إياه، فلما قرأه قال: من كعب بن عبيدة هذا؟ قال العنزي: إيه! قد نسب لك نفسه، قال عثمان: فمن أي قبيل هو؟ قال العنزي: ما أنا مخبرك عنه إلا ما أخبرك عن نفسه، قال: فالتفت عثمان إلى كثير بن شهاب الحارثي فقال: يا كثير! هل تعرف كعب بن عبيدة قال كثير: نعم يا أمير المؤمنين! هو رجل من بني نهد، قال: فأمر عثمان بالعنزي، فجردوه من ثيابه ليضرب، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لماذا يضرب هذا الرجل؟ إنما هو رسول جاء بكتاب وأبلغك رسالة حملها، فلم يجب عليه في هذا ضرب، فقال عثمان رضي الله عنه: أفترى أن أحبسه؟ قال: لا، ولا يجب عليه الحبس.
قال: فخلى عثمان عن العنزي، وانصرف إلى الكوفة وأصحابه لا يشكون أنه قد حبس أو ضرب أو قتل، قال: فلم يشعروا به إلا وقد طلع عليهم، فما بقي في الكوفة رجل مذكور إلا أتاه ممن كان على رأيه، ثم سألوه عن حاله فأخبرهم بما قال وما قيل له، ثم أخبرهم بصنع علي رضي الله عنه، فعجب أهل الكوفة من ذلك ودعوا لعلي بخير وشكروه على ما فعله.
قال: وكتب عثمان إلى سعيد بن العاص (1) أن تسرح إلي كعب بن عبيدة مع سائق عنيف حتى يقدم علي به - والسلام. قال: فلما ورد كتاب عثمان رضي الله عنه على سعيد بن العاص ونظر فيه أرسل إلى كعب بن عبيدة فشده في وثاق ووجه به إلى عثمان مع رجل فظ غليظ، فلما صار في بعض الطريق جعل الرجل ينظر إلى صلاة كعب بن عبيدة وتسبيحه واجتهاده فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعثت مع رجل مثل هذا أهديه إلى القتل والعقوبة الشديدة أو الحبس الطويل، ثم أقبل بكعب بن عبيدة حتى أدخله على عثمان.