وتقدم قوم من خيار أهل الكوفة فشكوا سعيد بن العاص (1) إلى عثمان، فقال عثمان: يا هؤلاء! إلى كم تكون هذه الشكوى من هذين الرجلين! فقال له الحجاج بن غزية الأنصاري: يا هذا! إنهم لا يشكون هذين الرجلين فقط ولكنهم يشكون جميع عمالك، وقد بعثت إليهم فأشخصتهم إليك ثم بادرت فرددتهم إلى أعمالهم، فابعث إليهم ثانية ثم أحضرهم في هذا المسجد بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خذ عليهم المواثيق والعهود أنهم لا يظلمون أحدا واستحلفهم على ذلك ثم ردهم إلى أعمالهم، وإلا فاستبدل بهم غيره، فإن صلحاء المسلمين كثير.
قال: وأشار عليه عامة الناس بمثل ذلك (2) فأرسل عثمان إلى جميع عماله فأشخصهم إليه من جميع البلاد، ثم أحضرهم وأقبل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! هؤلاء عمالي الذين أعتمدهم، فإن أحببتم عزلتهم ووليت من تحبون. قال: فتكلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: يا عثمان! إن الحق ثقيل مر وإن الباطل خفيف، وأنت رجل إذا صدقت سخطت وإذا كذبت رضيت، وقد بلغ الناس عنك أمور تركها خير لك من الإقامة عليها، فاتق الله يا عثمان وتب إليه مما يكرهه الناس منك. قال: ثم تكلم طلحة بن عبيد الله فقال: يا عثمان! إن الناس قد سفهوك وكرهوك لهذه البدع والاحداث التي أحدثتها ولم يكونوا يعهدونها فإن تستقم فهو خير لك وإن أبيت لم يكن أحد أضر بذلك في الدنيا والآخرة منك.
قال: فغضب عثمان رضي الله عنه ثم قال: ما تدعوني ولا تدعون عتبي ما أحدثت حدثا ولكنكم تفسدون علي الناس، هلم يا بن الحضرمية (3)! ما هذه الاحداث التي أحدثت؟ فقال طلحة: إنه قد كلمك علي من قبلي فهلا سألته عن هذه الأحوال التي أحدثت فيخبرك بها، ثم قام طلحة فخرج من عند عثمان، وجعل يدبر رأيه بينه وبين نفسه أيرد عماله إلى أعمالهم أم يعزلهم ويولي غيرهم.