أقبل عليهم فقال: يا هؤلاء! إنه قد كثرت شكايات الناس منكم، فأما القريب فقد بادهني وأما البعيد فما نالوا جهدا، فماذا عندكم من الرأي؟ قال: فتكلم عبد الله بن عامر بن كريز وقال (1): يا أمير المؤمنين! إنه ليس يرضي الناس عنك إلا ما أسخطهم عليك، فإن الناس إنما نقموا عليك لأجل هذا المال، فأعطهم إياه حتى يرضوا به عنك ولا يشكوك أحد بعد ذلك. قال: ثم تكلم عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقال: يا أمير المؤمنين! إن لك على الناس حقا في كتاب الله ولهم عليك مثل ذلك، فادفع إليهم حقوقهم واستوف منهم حقك، فإنه قد ولي أمر هذه الأمة من قبلك رجلين خيرين فاضلين أبا بكر وعمر فسارا بسيرة، فسر بسيرتهما واستسن بسنتهما واعمل بعملهما، يرضى الناس عنك ولا يشكوك أحد. قال: ثم تكلم سعيد بن العاص فقال (2): لا والله يا أمير المؤمنين! ما دعا الناس أن نقموا عليك إلا الحمام والفراغ من الحروب، وذلك أن العرب اليوم جلست في المحافل وتحدثت بالأحاديث، فاشغل العرب بالغزو وقاتل بهم العدو حتى لا يرجع أحدهم، إذا رجع إلى منزله قد أهمته نفسه لا يتفرغ لعيب الامراء. قال: ثم تكلم معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! إنك قد جمعتنا وذكرت أنه قد كثرت الشكايات منا وأنت قد ملكتنا رقاب الناس وجعلتنا أوتادا في الأرض، فخذ كل واحد منا بما يليه من عمله حتى نكفيك ما قبله ولا يكون ههنا شكاية أحد ولا ينقم أحد عليك (3). قال: فعلم عثمان أن الرأي ما قال معاوية، فعزم على أن يرد عماله إلى بلادهم وأعمالهم، ثم أوصاهم وعهد إليهم وحذرهم الشكايات، فرجع معاوية إلى الشام، وعبد الله بن عامر إلى البصرة، وسعيد بن العاص إلى الكوفة (4)، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى مصر، فلم يزدادوا على الناس إلا غلظة وجنفا وجورا في الاحكام وعدولا عن السنة.
(٣٨٩)