صاحب سقلية من كلامه أقبل المسلم على الترجمان فقال: قل له عني: إني أراك قد بغيت في كلامك، والبغي منقصة وشؤم ومصرعة وحتم، ونحن نرجو أن يدال عليكم ببغيكم، ونحن قوم لا نرى القتل سبة ولا الموت عارا، والقتل إلينا أحب إلينا من الخمر إليكم.
قال: فبينا المسلم يكلم صاحب سقلية بهذا الكلام ونحوه وإذا بطريق منهم قد أشرف من جدار القصر وقال: أيها العربي! قد أكثرت علينا من كلامك ولكن من يبارزني منكم؟ فقال له المسلم: يبارزك أدنانا رجلا وأضعفه في نفسه، قال:
فغضب البطريق من ذلك وقال: يا كلاب! وفيكم من يبارزني! ثم إنه بادر ونزل، فخرج من باب القصر وفي يده سيف له مشطب ودرقة مذهبة، وعليه قباء حرير ويلمق ديباج، قال: فبرز إليه رجل من أهل إفريقية واختلفا بضربتين، ضربه الإفريقي ضربة على أم رأسه فسقط البطريق قتيلا، ثم وقف عليه الإفريقي فجعل يسلبه وصاحب سقلية مع بطارقته ينظرون إليه، ثم وقف الإفريقي ونادى بأعلى صوته: من يبارزني؟ قال صاحب سقلية: من هذا منكم؟ فقال له المسلم: هذا رجل من أهل إفريقية وقد كان من خدمكم، فمن الله عز وجل عليه بالاسلام فأسلم، وقد رأيت ما فعل بصاحبكم، فكيف لو برز إليه رجل من حزبنا.
قال: فنزل صاحب سقلية من قصره مغموما، وخرج المسلمون من المراكب فأغاروا على أطراف سقلية، فسبوا وغنموا، ثم أخرجوا مجانيق كانت معهم فنصبوها على حصونهم ورموهم رميا متداركا، ورزق الله عز وجل المسلمين من اعتدال حجارة مجانيقهم وقصدها لحصون الكفار وقصورهم شيئا عجيبا، قال: ورمت الروم بالعرادات فلم يكن لعراداتهم نكاية. قال: وقهرهم المسلمون حتى أحجزوهم في دورهم وقصورهم.
قال: فعندها خرج صاحب سقلية من قصره، واجتمع إليه أهل مملكته بأجمعهم فعطعطوا ونفخوا في البوقات، وأظهروا ما قدروا عليه من آلة السلاح، قال: وصف المسلمون صفوفهم وأظهروا سلاحهم، واقتحمت الروم على ميسرة المسلمين وكشفوهم وثبتت الميمنة والقلب، فقاتلوهم ساعة ثم رجعت ميسرة المسلمين إلى موضعها، ودامت الحرب بينهم يومهم ذلك، فقتل من الفريقين جماعة، ثم افترقوا وذلك وقت المساء، حتى إذا مضى من الليل بعضه أغار المسلمون على قراهم