لالزام الغير العمل به، ثم كل خصم يتمكن من أن يقول يخايل في قلبي أثر القبول والصحة للوصف الذي دعاه، بل للحكم الذي هو المقصود، وصفة التعارض لا يجوز أن يكون لازما في الحجج الشرعية كصفة المناقضة.
وكذلك الاطراد لا يستقيم أن يجعل دليل كونه حجة، لأنه عبارة عن عموم شهادة هذا الوصف في الأصول فيكون نظير كثرة أداء الشهادة من الشاهدين في الحوادث عند القاضي، أو تكرار الأداء منه في حادثة واحدة وذلك لا يكون موجبا عدالته.
قوله بأن الأصول مزكون كالرسول، قلنا: لا كذلك، بل كل أصل شاهد، فالأصول كجماعة الشهود أو عدد الرواة للخبر، ودليل صحة الخبر وكونه حجة إنما يطلب من متن الحديث، فالأثر للوصف بمنزلة دليل الصحة من متن الخبر، والاطراد في الأصول بمنزلة كثرة الرواة، فكيف يستقيم أن يجعل الأصول مزكين ولا معرفة لهم بهذا الوصف وحاله، وأنى تكون التزكية ممن لا خبرة له ولا معرفة بحال الشاهد؟ وما قالوا: إن المعجزة بمثل هذا صارت حجة فهو غلط، وإنما صارت حجة بكونها خارجة عن حد مقدور البشر، فإن القرآن بهذه الصفة، ولكن الكفار كانوا يتعنتون فيقولون إنه من جنس كلام البشر، كما أخبر الله تعالى عنهم * (قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) * فطولبوا بالاتيان بمثله ليظهر به تعنتهم فإنهم لو قدروا على ذلك ما صبروا على الامتناع عنه إلى القتال وفيه ذهاب نفوسهم وأموالهم.
فإن قيل: في اعتبار الأثر اعتبار ما لا يمكن الوقوف فيه على حد معلوم يعقل أو يظهر للخصوم. قلنا: لا كذلك فإن الأثر فيما يحس معلوم حسا كأثر المشي على الأرض، وأثر الجراحة على البدن، وأثر الاسهال في الدواء المسهل، وفيما يعقل معلوم بطريق اللغة نحو عدالة الشاهد، فإنه يعلم بأثر دينه في المنع كما بينا، وهذا الأثر الذي ادعيناه يظهر للخصم بالتأمل، فإنه عبارة عن أثر ظاهر في بعض المواضع سوى المتنازع فيه، وهو موافق