والقياس. ولا خلاف بين جمهور العلماء في أنه لا يجوز نسخ الكتاب والسنة بالقياس، وكان ابن سريج من أصحاب الشافعي يجوز ذلك، والانماطي من أصحابه كان يقول لا يجوز ذلك بقياس الشبه ويجوز بقياس مستخرج من الأصول، وكل قياس هو مستخرج من القرآن يجوز نسخ الكتاب به، وكل قياس هو مستخرج من السنة يجوز نسخ السنة به، لان هذا في الحقيقة نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ السنة بالسنة، فثبوت الحكم بمثل هذا القياس في الحقيقة يكون محالا به على الكتاب والسنة. وهذا قول باطل باتفاق الصحابة، فقد كانوا مجمعين على ترك الرأي بالكتاب والسنة، حتى قال عمر رضي الله عنه في حديث الجنين: كدنا أن نقضي فيه برأينا وفيه سنة عن رسول الله (ص). وقال علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره ولكني رأيت رسول الله يمسح على ظاهر الخف دون باطنه. ولان القياس كيفما كان لا يوجب العلم فكيف ينسخ به ما هو موجب للعلم قطعا، وقد بينا أن النسخ بيان مدة بقاء الحكم وكونه حسنا إلى ذلك الوقت، ولا مجال للرأي في معرفة انتهاء وقت الحسن، وما ادعاه من أن هذا الحكم يكون ثابتا بالكتاب فكلام ضعيف، فإن الوصف الذي به يرد الفرع إلى الأصل المنصوص عليه في الكتاب والسنة غير مقطوع بأنه هو المعنى في الحكم الثابت بالنص، وأحد من القائسين لا يقول بأن حكم الربا فيما عدا الأشياء الستة يكون ثابتا بالنص الذي فيه ذكر الأشياء الستة.
وأما النسخ بالاجماع فقد جوزه بعض مشايخنا بطريق أن الاجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، والاجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، وإذا كان يجوز النسخ بالخبر المشهور كما أشرنا إليه في الزيادة على النص فجوازه بالاجماع أولى. وأكثرهم على أنه لا يجوز ذلك، لان الاجماع عبارة عن اجتماع الآراء على شئ، وقد بينا أنه لا مجال للرأي في معرفة نهاية وقت الحسن والقبح في الشئ عند الله تعالى، ثم أوان النسخ حال حياة رسول الله (ص) لاتفاقنا على أنه لا نسخ بعده، وفي حال حياته ما كان ينعقد الاجماع بدون رأيه، وكان الرجوع إليه فرضا، وإذا وجد البيان منه فالموجب للعلم قطعا هو البيان المسموع