قرأنا في القرآن: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وقال عمر رضي الله عنه: قرأنا آية الرجم في كتاب الله ووعيناها. وقال أبي بن كعب: إن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة أو أطول منها. والشافعي لا يظن به موافقة هؤلاء في هذا القول، ولكنه استدل بما هو قريب من هذا في عدد الرضعات، فإنه صحح ما يروى عن عائشة رضي الله عنها: وإن مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات، وكان ذلك مما يتلى في القرآن بعد وفاة رسول الله (ص) - الحديث.
والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * ومعلوم أنه ليس المراد الحفظ لديه، فإن الله تعالى يتعالى من أن يوصف بالنسيان والغفلة، فعرفنا أن المراد الحفظ لدينا، فالغفلة والنسيان متوهم منا وبه ينعدم الحفظ إلا أن يحفظه الله عز وجل، ولأنه لا يخلو شئ من أوقات بقاء الخلق في الدنيا عن أن يكون فيما بينهم ما هو ثابت بطريق الوحي فيما ابتلوا به من أداء الأمانة التي حملوها، إذ العقل لا يوجب ذلك وليس به كفاية بوجه من الوجوه، وقد ثبت أنه لا ناسخ لهذه الشريعة بوحي ينزل بعد وفاة رسول الله عليه السلام، ولو جوزنا هذا في بعض ما أوحي إليه لوجب القول بتجويز ذلك في جميعه فيؤدي إلى القول بأن لا يبقى شئ مما ثبت بالوحي بين الناس في (حال) بقاء التكليف، وأي قول أقبح من هذا! ومن فتح هذا الباب لم يأمن أن يكون بعض ما في أيدينا اليوم أو كله مخالف لشريعة رسول الله، بأن نسخ الله ذلك بعده وألف بين قلوب الناس على أن ألهمهم ما هو خلاف شريعته، فلصيانة الدين إلى آخر الدهر أخبر الله تعالى أنه هو الحافظ لما أنزله على رسوله، وبه يتبين أنه لا يجوز نسخ شئ منه بعد وفاته بطريق الاندراس وذهاب حفظه من قلوب العباد، وما ينقل من أخبار الآحاد شاذ لا يكاد يصح شئ منها، ويحمل قول من قال في آية الرجم إنه في كتاب الله: أي في حكم الله تعالى، كما قال تعالى * (كتاب الله عليكم) *: (أي حكم الله عليكم) وحديث عائشة لا يكاد يصح