فهو ما اعتمد دليلا موجبا نفى القران ولكنه عدم الدليل الموجب للعلم به، وهو أنه لم يسمع تلبيته بالعمرة وسمع التلبية بالحج وروي أنه كان مفردا.
ومن ذلك حديث بلال رضي الله عنه أن النبي عليه السلام لم يصل في الكعبة، مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى فيها عام الفتح، فإنهم اتفقوا أنه ما دخلها يومئذ إلا مرة، ومن أخبر أنه لم يصل فيها (فإنه) لم يعتمد دليلا موجبا للعلم به ولكنه لم يعاين صلاته فيها والآخر عاين ذلك فكان المثبت أولى من النافي.
ومن أهل النظر من يقول يتخلص عن التعارض بكثرة عدد الرواة حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والآخر يرويه اثنان فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به.
واستدلوا بمسألة كتاب الاستحسان في الخبر بطهارة الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته، أنه إذا كان المخبر بأحد الامرين اثنين وبالآخر واحدا، فإنه يؤخذ بخبر الاثنين، وهذا لان خبر المثنى حجة تامة في الشهادات بخلاف خبر الواحد فطمأنينة القلب إلى خبر المثنى أكثر، وقد اشتهر عن الصحابة الاعتماد على خبر المثنى دون الواحد على ما سبق بيانه. وكذلك يتخلص عن التعارض أيضا بحرية الراوي استدلالا بما ذكر في الاستحسان أنه متى كان المخبر بأحد الامرين حرين وبالآخر عبدين فإنه يؤخذ بخبر الحرين. قال رضي الله عنه: والذي يصح عندي أن هذا النوع من الترجيح قول محمد رحمه الله خاصة، فقد ذكر نظيره في السير الكبير قال: أهل العلم بالسير ثلاث فرق: أهل الشام، وأهل الحجاز، وأهل العراق، فكل ما اتفق فيه الفريقان (منهم) على قول أخذت بذلك وتركت ما انفرد به فريق واحد.
وهذا ترجيح بكثرة القائلين صار إليه محمد، وأبى ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف.
والصحيح ما قالا، فإن كثرة العدد لا يكون دليل قوة الحجة، قال تعالى: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * وقال تعالى: * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) * وقال تعالى: * (ما يعلمهم إلا قليل) * وقال تعالى: * (وقليل ما هم) * ثم السلف من الصحابة وغيرهم لم يرجحوا بكثرة العدد في باب العمل بأخبار الآحاد فالقول به يكون