لأنه وإن استقصى في العرض فالخصم يقول وراء هذا أصل آخر (هو) معارض أو ناقض لما يدعيه، فلا يجد بدا من أن يقول لم يقم عندي دليل النقض والمعارضة، ومثل هذا لا يصلح حجة لالزام الخصم على ما نبينه في بابه، قالوا: والذي يحقق ما ذكرنا أن المعجزة التي أوجبت علم اليقين كان طريق ثبوتها السلامة عن النقوض والمعارضات، كما قال تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * قال تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فبهذا يتبين أن طريق إثبات الحجة لما لا نحس هذا. وأما علماؤنا إنهم يقولون:
حاجتنا إلى إثبات دليل الحجة فيما لا يحس ولا يعاين، وطريق ذلك أثره الذي ظهر في موضع من المواضع، ألا ترى أن الطريق في معرفة عدالة الشاهد هذا، وهو أن ينظر إلى أثر دينه في منعه عن ارتكاب ما يعتقد فيه الحرمة، فإذا ظهر أثر ذلك في سائر المواضع يترجح جانب الصدق في شهادته بطريق الاستدلال بالأثر، وهو أن الظاهر أنه ينزجر عن شهادة الزور لاعتقاده الحرمة فيه. وكذلك الدلالة على إثبات الصانع تكون بآثار صنعته بطريق الوصف والبيان على وجه مجمع عليه، كما نبينه في موضعه.
وكذلك في المحسوسات كالجرح ونحو ذلك، فإنه يستدل عليه بأثره حسا، والاستدلال بالمحسوس لغير المحسوس يكون بالأثر أيضا، فتبين أن ما به يصير الوصف حجة بعد الصلاحية بالملائمة على ما قرره الخصم وهو ظهور أثره في الأصول، فأما الا خالة فهو عبارة عن مجرد الظن إذ الخيال والظن واحد، والظن لا يغني من الحق شيئا. وأحسن العبارات فيه أن يجعل بمنزلة الالهام وهو لا يصلح للالزام على الغير، على ما نبينه، ثم هذا شئ في الباطن لا يطلع عليه غير صاحبه ومثله لا يكون حجة على الغير، كالتحري الذي استشهد به، فإن ما يؤدي إليه تحري الواحد لا يكون حجة على أصحابه، حتى لا يلزمهم اتباعه في تلك الجهة، وكلامنا فيما يكون حجة