إياه فرض علينا من الله تعالى، وكذلك أتباعه لازم بقوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * وقال تعالى: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * فبهذا التقرير يتبين أن بالوحي الذي هو غير متلو (يجوز أن يتبين مدة بقاء الحكم المتلو كما يجوز أن يتبين ذلك بالوحي الذي هو متلو) والنسخ ليس إلا هذا، ألا ترى أنا لو سمعنا رسول الله (ص) يقول لحكم هو ثابت بوحي متلو: قد كان هذا الحكم ثابتا إلى الآن وقد انتهى وقته فلا تعملوا به بعده، يلزمنا تصديقه في ذلك والكف عن العمل به، وتكفير من يكذبه في ذلك. فكذلك إذا ثبت ذلك عندنا بالنقل المتواتر عنه.
فإن قيل: مع هذا في الآية إشارة إلى (أن رسول الله مبين للحكم وفي النسخ بيان حكم ورفع حكم مشروع وليس في الآية إشارة إلى) أنه رافع لحكم ثابت بوحي متلو. قلنا: نحن نقول هو مبين ولكن في حق الحكم الأول مبين تأويلا وتبليغا وفي حق الحكم الثاني تبليغا وتأويلا. وبيان هذا أنا قد ذكرنا أن الدليل الموجب لثبوت الحكم وهو الوحي المتلو لا يكون موجبا بقاء الحكم وبالنسخ إنما يرتفع بقاء الحكم الأول، ولم يكن ذلك ثابتا بوحي متلو حتى يكون في بيانه رفع الحكم المتلو مع أنه ليس في النسخ رفع الحكم ولكنه بيان مدة بقاء الحكم، ثم الوقت لا يبقى بعد مضي وقته كما لو كان التوقيت فيه مذكورا في النص المثبت، فعلى هذا التقرير يكون هو مبينا للوقت فيما هو منزل.
فإن قيل: فعلى هذا اختلاط البيان بالنسخ وبالاتفاق بين البيان والنسخ فرق. قلنا: لا كذلك، فإن كلا واحد منهما في الحقيقة بيان إلا أن البيان المحض يجوز أن يكون مقترنا بأصل الكلام، كدليل الخصوص في العموم، فإنه لا يكون إلا مقارنا، وبيان المجمل فإنه يجوز أن يكون مقارنا. فأما النسخ (بيان) لا يكون