منه أنه أظهره إظهارا لا يبقى معه شك، وإذا قيل: فلان ذو بيان فإنما يراد به الاظهار أيضا، وقول رسول الله: إن من البيان لسحرا يشهد لما قلنا إنه عبارة عن الاظهار، وقال تعالى: * (هذا بيان للناس) * وقال تعالى: * (علمه البيان) * والمراد الاظهار، وقد كان رسول الله (ص) مأمورا بالبيان للناس، قال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وقد علمنا أنه بين للكل. ومن وقع له العلم ببيانه أقر ومن لم يقع له العلم أصر. ولو كان البيان عبارة عن العلم الواقع للمبين لما كان هو متمما للبيان في حق الناس كلهم. وقول من يقول من أصحابنا حد البيان هو: الاخراج عن حد الاشكال إلى التجلي ليس بقوي، فإن هذا الحد أشكل من البيان والمقصود بذكر الحد زيادة كشف الشئ لا زيادة الاشكال فيه، ثم هذا الحد لبيان المجمل خاصة والبيان يكون فيه وفي غيره.
ثم المذهب عند الفقهاء وأكثر المتكلمين أن البيان يحصل بالفعل من رسول الله عليه السلام كما يحصل بالقول. وقال بعض المتكلمين: لا يكون البيان إلا بالقول بناء على أصلهم أن بيان المجمل لا يكون إلا متصلا به، والفعل لا يكون متصلا بالقول. فأما عندنا: بيان المجمل قد يكون متصلا به وقد يكون منفصلا عنه، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
ثم الدليل على أن البيان قد يحصل بالفعل أن جبريل عليه السلام بين مواقيت الصلاة للنبي عليه السلام بالفعل حيث أمه في البيت في اليومين، ولما سئل رسول الله (ص) عن مواقيت الصلاة قال للسائل: صل معنا ثم صلى في اليومين في وقتين، فبين له المواقيت بالفعل، وقال لأصحابه: خذوا عني مناسككم وقال:
صلوا كما رأيتموني أصلي ففي هذا تنصيص على أن فعله مبين لهم، ولان البيان عبارة عن إظهار المراد فربما يكون ذلك بالفعل أبلغ منه بالقول، ألا ترى أنه أمر أصحابه بالحلق عام الحديبية فلم يفعلوا ثم لما رأوه حلق بنفسه حلقوا في الحال، فعرفنا أن إظهار المراد يحصل بالفعل كما يحصل بالقول.
ثم البيان على خمسة أوجه: بيان تقرير، وبيان تفسير، وبيان تغيير، وبيان تبديل، وبيان ضرورة.