يبتلى بالطعن في أحد من غير حجة، على أن من يكون مطعونا في بعض رواياته بسبب لا يوجب عموم الطعن فيه فذلك لا يمنع قبول روايته والعمل به فيما سوى ذلك نحو الكلبي وأمثاله. ثم سفيان الثوري ممن لا يخفى حاله في الفقه والعدالة ولا يظن به إلا أحسن الوجوه. وكذلك محمد بن الحسن فتحمل الكناية منهما عن الراوي على أنهما قصدا صيانته، وكيف يجعل ذلك طعنا والقول بأنه ثقة شهادة بالعدالة له؟.
ومن ذلك أيضا طعن بعض الجهال في محمد بن الحسن بأنه سأل عبد الله بن المبارك رحمه الله أن يروي له أحاديث ليسمعها منه فأبى فلما قيل له في ذلك فقال: لا تعجبني أخلاقه. فإن هذا إن صح لم يصلح أن يكون طعنا لان أخلاق الفقهاء لا توافق أخلاق الزهاد في كل وجع، فهم بمحل القدوة والزهاد بمحل العزلة، وقد يحسن في مقام العزلة ما يقبح في مقام القدوة أو على عكس ذلك، فكيف يصلح أن يكون هذا طعنا لو صح مع أنه غير صحيح، فقد روي عن ابن المبارك أنه قال لا بد أن يكون في كل زمان من يحيي به الله للناس دينهم ودنياهم. فقيل له: من بهذه الصفة في هذا الزمان؟ فقال: محمد بن الحسن. فهذا يتبين أنه لا أصل لذلك الطعن.
ومن ذلك الطعن بركض الدواب، فإن ذلك من عمل الجهاد، لان السباق على الأفراس والاقدام مشروع ليتقوى به المرء على الجهاد، فما يكون من جنسه مشروع لا يصلح أن يكون طعنا.
ومن ذلك الطعن بكثرة المزاح فإن ذلك مباح شرعا إذا لم يتكلم بما ليس بحق، على ما روي أن النبي عليه السلام كان يمازح ولا يقول إلا حقا. ولكن هذا بشرط أن لا يكون متخبطا مجازفا يعتاد القصد إلى رفع الحجة والتلبيس به، ألا ترى إلى ما روي أن عليا رضي الله عنه كان به دعابة. وقد ذكر ذلك عمر حين ذكر اسمه في الشورى ولم يذكره على وجه الطعن، فعرفنا أن عينه لا يكون طعنا.
ومن ذلك الطعن بحداثة سن الراوي، فإن كثيرا من الصحابة كانوا يروون في حداثة سنهم، منهم ابن عباس وابن عمر، ولكن هذا بشرط الاتقان عند التحمل