آخر وإن لم يكن ذلك المعنى متيقنا به، فإن كفرها قبل الهجرة كان متيقنا به وزوال ذلك بعد الهجرة إنما نعرفه بغالب الرأي لا باليقين، وليس هذا نظير ما استشهدوا به، لان هناك عند الشك في الطلاق لا نجد دليلا نعتمده في حكم الطلاق سوى ما تقدم، وكذلك عند الشك في وجوب المال لا نجد دليلا نعتمده سوى ما تقدم، وكذلك عند الشك في الحدث وعند الشك في أداء بعض الصلاة حتى إذا وجدنا فيه دليلا وهو التحري نقول بأنه يجب العمل بذلك الدليل، وهنا قد وجدنا دليلا نستدل به على الحكم بعد حدوث المعنى الحادث في العين فيجب العمل بذلك الدليل، ولا يجوز المصير إلى استصحاب ما كان قبل حدوث هذا المعنى، فاليقين إنما كان قبل وجود الدليل المغير، ومثله لا يكون يقينا بعد وجود الدليل المغير، وعلى هذا الأصل استصحاب العموم بعد حدوث الدليل المغير للحكم، فإنه لا يجوز لأحد أن يستدل على إباحة قتل المستأمن بقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين) * لان حكم هذا العام كان ثابتا قبل وجود الدليل المغير فلا يجوز الاستدلال به بعد ذلك في موضع فيه خلاف، وهو أن المستأمن إذا جعل نفسه طليعة للمشركين يخبرهم بعورات المسلمين فإنه لا يباح قتله استدلالا بقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين) * عندنا، وعند بعضهم يجوز قتله باعتبار هذه الحجة، والكلام في هذا مثل الكلام في الفصل الأول، والله أعلم.
باب القياس قال رضي الله عنه: مذهب الصحابة ومن بعدهم من التابعين والصالحين والماضين من أئمة الدين رضوان الله عليهم جواز القياس بالرأي على الأصول التي تثبت أحكامها بالنص لتعدية حكم النص إلى الفروع جائز مستقيم يدان الله به، وهو مدرك من مدارك أحكام الشرع ولكنه غير صالح لاثبات الحكم به ابتداء، وعلى قول أصحاب الظواهر هو غير صالح لتعدية حكم النص به إلى ما لا نص فيه والعمل باطل أصلا في أحكام الشرع. وأول من أحدث هذا القول إبراهيم النظام، وطعن في السلف لاحتجاجهم بالقياس ونسبهم بتهوره إلى خلاف ما وصفهم الله به، فخلع به ربقة الاسلام من عنقه، وكان ذلك منه إما للقصد إلى إفساد طريق المسلمين عليهم،