بطلب المعنى، لجواز أن يكون خاليا عن معنى مؤثر وعن حكمة حميدة بخلاف خطاب الشرع، ألا ترى أن هناك وإن كان التعليل فيه منصوصا لا يصار إلى التعدية، فإنه لو قال أعتق عبدي هذا فإنه أسود لم يكن له أن يعدي الحكم بهذا التعليل إلى غيره، وفي خطاب الشرع فيما يكون التعليل منصوصا يثبت حكم التعدية بالاتفاق، كقوله عليه السلام: الهرة ليست بنجسة لأنها من الطوافين عليكم والطوافات ودعواهم أن في التعليل تغيير الحكم كلام باطل، فإن الحكم في المنصوص بعد التعليل ثابت بالنص كما كان قبل التعليل، وإنما التعليل لتعدية الحكم إلى محل آخر لا نص فيه على ما نبينه في فصل الشرط، فعرفنا أن أثر التعليل في المنصوص من حيث شرح الصدر وطمأنينة القلب، وذلك تقرير للحكم لا تغيير كالوقوف على معنى اللسان. وقولهم إن في كل وصف احتمالا، قلنا: لا كذلك بل الأصل في النصوص وجوب التعليل لتعميم الحكم على ما قررنا، فبعد هذا في كل وصف احتمال أنه ليس بمراد بعد قيام الدليل على كونه حجة (وما ثبت حجة بالدليل فإنه لا يخرج بالاحتمال من أن يكون حجة) وإنما يثبت ذلك بالدليل المانع.
وأما الشافعي فإنه يقول: قد علمنا بالدليل أن علة النص أحد أوصافه لا كل وصف منه، فإن الصحابة اختلفوا في الفروع باختلافهم في الوصف الذي هو علة في النص، فكل واحد منهم ادعى أن العلة ما قاله، وذلك اتفاق منهم أن أحد الأوصاف هو العلة، ثم ذلك الوصف مجهول والمجهول لا يصلح استعماله مع الجهالة لتعدية الحكم فلا بد من دليل التمييز بينه وبين سائر الأوصاف حتى يجوز التعليل به، فإنه لا يجوز التعليل بسائر الأوصاف لاتفاق الصحابة على ذلك وعلمنا ببطلان التعليل في مخالفة الاجماع. ثم على أصله التعليل تارة يكون للمنع من التعدية، وتارة يكون لاثبات التعدية، ولا شك أن الوصف الذي به يثبت الحجر عن التعدية غير الوصف الذي يثبت به حكم التعدية، فما لم يتميز أحد الوصفين من الآخر بالدليل لا يجوز تعليل النص.