في الصغر، وعند الرواية بعد البلوغ، ولهذا أخذنا بحديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير رضي الله عنه في صدقة الفطر أنه نصف صاع من بر، ورجحنا حديثه على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في التقدير بصاع من بر، لان حديثه أحسن متنا، فذلك دليل الاتقان، ووافقه رواية ابن عباس أيضا. والشافعي أخذ بحديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما في إثبات حق الرجوع للوالد فيما يهب لولده، وقد روي أنه نحله أبوه غلاما وهو ابن سبع سنين، فعرفنا أن مثل هذا لا يكون طعنا عند الفقهاء.
ومن ذلك الطعن بأن رواية الاخبار ليست بعادة له، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ما اعتاد الرواية ولا يظن بأحد أنه يطعن في حديثه بهذا السبب، وقبل رسول الله شهادة الاعرابي على رؤية هلال رمضان، والأعرابي ما كان اعتاد الرواية، وقد كان في الصحابة من يمتنع من الرواية في عامة الأوقات، وفيهم من يشتغل بالرواية في عامة الأوقات، ثم لم يرجح أحد رواية من اعتاد ذلك على من لم يعتد الرواية، وهذا لان المعتبر هو الاتقان، وربما يكون إتقان من لم تصر الرواية عادة له فيما يروي أكثر من إتقان من اعتاد الرواية.
ومن ذلك الطعن بالاستكثار من تفريع مسائل الفقه، فإن ذلك دليل الاجتهاد وقوة الخاطر، فيستدل به على حسن الضبط والاتقان، فكيف يصلح أن يكون طعنا وما يكون مجتهدا فيه الطعن بالارسال؟ وقد بينا أنه ليس بطعن عندنا لأنه دليل تأكد الخبر وإتقان الراوي في السماع من غير واحد.
وأما الطعن المفسر بما يكون موجبا للجرح، فإن حصل ممن هو معروف بالتعصب أو متهم به لظهور سبب باعث له على العداوة فإنه لا يوجب الجرح، وذلك نحو طعن الملحدين والمتهمين ببعض الأهواء المضلة في أهل السنة، وطعن بعض من ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله في بعض المتقدمين من كبار أصحابنا، فإنه لا يوجب الجرح لعلمنا أنه كان عن تعصب وعداوة.
فأما وجوه الطعن الموجب للجرح فربما ينتهي إلى أربعين وجها يطول الكتاب بذكر تلك الوجوه، ومن طلبها في كتاب الجرح والتعديل وقف عليها إن شاء الله تعالى.