الإباحة بمنزلة إباحة الميتة عند الضرورة، ولهذا حل لكل واحد من الغانمين تناول مقدار الحاجة من الطعام والعلف الذي يكون في الغنيمة في دار الحرب قبل القسمة بخلاف سائر الأموال، فكانت العلة فاسدة وضعا مع أنه لا تأثير لها في إثبات المماثلة بين العوضين الذي هو شرط جواز العقد بالنص.
ومن ذلك قولهم في طول الحرة إن الحر لا يجوز له أن يرق ماءه مع غنيته عنه، كما لو كان تحته حرة، فإن تأثير الحرية في أصل الشرع في استحقاق زيادة النعمة والكرامة وفي إثبات صفة الكمال في الملك، ولهذا حل للحر أربع نسوة بالنكاح ولم يحل للعبد إلا اثنتان، فالتعليل لاثبات الحجر عن العقد بصفة الحرية فيما لا يثبت الحجر عنه بسبب الرق يكون فاسدا في الوضع مخالفا لأصول الشرع.
ومن ذلك قولهم فيمن جن في وقت صلاة كامل أو في يوم واحد في الصوم إنه لا يلزمه القضاء، لان الخطاب عنه ساقط أصلا ووجوب القضاء يبتنى على وجوب الأداء، بمنزلة ما لو جن أكثر من يوم وليلة في الصلاة، أو استوعب الجنون الشهر كله في الصوم. ونحن نقول: هذا فاسد وضعا، لان الحادث بالجنون عجز عن فهم الخطاب والائتمار بالامر ولا أثر للجنون في إخراجه من أن يكون أهلا للعبادة، لان ذلك يبتنى على كونه أهلا لثوابها، والأهلية لثواب العبادة بكونه مؤمنا والجنون لا يبطل إيمانه، ولهذا يرث المجنون قريبه المسلم، ولا يفرق بين المجنونة وزوجها المسلم.
والدليل عليه أنه لا يبطل إحرامه بسبب الجنون، فدل أنه لا يبطل به إيمانه فكذلك لا يبطل صومه، حتى لو جن بعد الشروع في الصوم بقي صائما، ولا وجه لانكار هذا، فإن بعد صحة الشروع في الصوم لا يشترط قيام الأهلية للبقاء فيها سوى الكف عن اقتضاء الشهوات، والجنون لا ينفي تحقق هذا الفعل، وإذا بقي صائما حتى تأدى منه عرفنا أنه تأدى فرضا كما شرع