الاحتجاج صحيحا، ومثله لا يتصور فيما يحتج به النافي على خصمه. ولا نقول بان نفى الكفار نبوة رسول الله وقولهم لا دليل على نبوته كان حجة لهم عليه بوجه، ولكن كان ذلك اظهارا منهم لجهلهم، وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يزيل ذلك الجهل عنهم باظهار المعجزات الدالة على نبوته.
فاما أهل المقالة الثابتة فإنهم قالوا المنتفى معدوم والمعدوم ليس بشئ وانما يحتاج إلى الدليل لاثبات المدلول عليه، ومعلوم ان العدم لا يكون متعلقا بدليل ولا بعدم الدليل، ولكن عدم الدليل يدل عليه كما يدل الحدث على المحدث، ثم الدليل قد يكون قائما على الاثبات عند البعض دون البعض، يقول النافي لا دليل على الاثبات محتمل يجوز ان يكون كما قال وهو انه ليس فيه دليل مشروع عند أحد، ويجوز ان يكون عليه دليل عند غيره ولم يبلغه، ودعوى المثبت دليل الاثبات محتمل أيضا يجوز ان يكون صدقا بوجود الدليل عنده، ويجوز ان يكون كذبا أو غلطا فاستوى الجانبان من هذا الوجه، كما أن دعوى المثبت الدليل لا يكون حجة على خصمه ما لم يبرز الدليل لكونه محتملا والمحتمل لا فقول النافي لا دليل لا يكون حجة على خصمه لكونه محتملا ولكنه دافع لدعوى المثبت عنه بطريق المساواة في الاحتمال. فقلنا ان قوله: لا دليل، حجة دافعة لا موجبة.
والشافعي يحتج بهذا الكلام أيضا لأنه يقول: إذا كان قوله لا دليل مستندا إلى دليل لا يخالف ما يقوله يكون دلك الدليل حجة على الخصم لا بمجرد قوله لا دليل. وبيان هذا ان ما يكون محتملا للبقاء من الاحكام والصحة في العلل والجواهر فإنه إذا ثبت وجوه بالدليل يكون باقيا ما لم يعترض ما يزيله، الا ترى ان الملك بالشراء متى ثبت، أو الحل بالنكاح متى ثبت، أو الحرمة بالتطليقات الثلاث متى ثبت يكون باقيا، الا يعترض عليه