فأما حقوق الله خالصة فهي أنواع ثمانية: عبادات محضة، وعقوبات محضة، وعقوبة قاصرة، ودائرة بين العبادة والعقوبة، وعبادة فيها معنى المؤنة، ومؤنة فيها معنى العبادة، ومؤنة فيها معنى العقوبة، وما يكون قائما بنفسه وهي على ثلاثة أوجه: ما يكون منه أصلا، وما يكون زائدا على الأصل، وما يكون ملحقا به.
فأما العبادات المحضة فرأسها الايمان بالله تعالى، والأصل فيه التصديق بالقلب، فإنه لا يسقط بعذر ما من إكراه أو غيره، وتبديله بغيره يوجب الكفر على كل حال، والاقرار باللسان ركن فيه مع التصديق بالقلب في أحكام الدنيا والآخرة جميعا، وقد يصير الاقرار أصلا في أحكام الدنيا بمنزلة التصديق، حتى إذا أكره على الاسلام فأسلم باللسان فهو مسلم في أحكام الدنيا لوجود ركن الاقرار، وقيام السيف على رأسه دليل على أنه غير مصدق بالقلب، ولهذا لا يحكم بالردة إذا أكره المرء عليها، لان التكلم باللسان هناك دليل محض على ما في الضمير من غير أن يجعل أصلا بنفسه، والاقرار باللسان وإن كان دليلا على التصديق فعند الاكراه يجعل أصلا بنفسه يثبت به الايمان في أحكام الدنيا بمنزلة التصديق، ويستوي إن أكره الحربي على ذلك أو الذمي عندنا لهذا المعنى. وعند الشافعي متى كان الاكراه بحق بأن كان المكره حربيا لا أمان له كذلك الجواب، ومتى كان بغير حق بأن أكره الذمي عليه فإنه لا يصير مسلما به.
ثم الصلاة بعد الايمان من أقوى الأركان، فإنها عماد الدين ما خلت عنها شريعة المرسلين. وهي تشمل الخدمة بظاهر البدن وباطنه، ولكنها صارت قربة بواسطة البيت الذي عظمه الله وأمرنا بتعظيمه لاضافته إلى نفسه فقال:
* (أن طهرا بيتي للطائفين) * الآية، حتى لا تتأدى هذه القربة إلا باستقبال القبلة في حالة الامكان، وفي ذلك من معنى التعظيم ما أشار الله تعالى إليه في قوله: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * ليعلم به أن المطلوب