كان العام المطلق موجبا للحكم قطعا فدليل الخصوص فيه يكون مغيرا لهذا الحكم، فإن العام الذي دخله خصوص لا يكون حكمه عندنا مثل حكم العام الذي لم يدخله خصوص، وبيان التغيير إنما يكون موصولا لا مفصولا على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى. وعلى هذا قال علماؤنا: إذا أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه، فإن كان في كلام موصول فهو بيان وتكون الحلقة لأحدهما والفص للآخر، وإن كان في كلام مفصول فإنه لا يكون بيانا ولكن يكون إيجاب الفص للآخر ابتداء حتى يقع التعارض بينهما في الفص فتكون الحلقة للموصى له بالخاتم والفص بينهما نصفان. وأما بيان المجمل فليس بهذه الصفة بل هو بيان محض لوجود شرطه وهو كون اللفظ محتملا غير موجب للعمل به بنفسه، واحتمال كون البيان الملحق به تفسيرا وإعلاما لما هو المراد به، فيكون بيانا من كل وجه ولا يكون معارضا فيصح موصولا ومفصولا، ودليل الخصوص في العام ليس ببيان من كل وجه بل هو بيان من حيث احتمال صيغة العموم للخصوص، وهو ابتداء دليل معارض من حيث كون العام موجبا العمل بنفسه فيما تناوله، فيكون بمنزلة الاستثناء والشرط فيصح موصولا على أنه بيان، ويكون معارضا ناسخا للحكم الأول إذا كان مفصولا. وقد بينا أدلة هذا الأصل الذي نشأ منه الخلاف، وإنما أعدناه هنا للحاجة إلى الجواب عن نصوص وشبه يحتج بها الخصم. فمن ذلك قوله تعالى: * (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) * وثم للتعقيب مع التراخي فقد ضمن البيان بعد إلزام الاتباع وإلزام الاتباع إنما يكون بالعام دون المجمل، إذ المراد بالاتباع العمل به، فعرفنا أن البيان الذي هو خصوص قد يتأخر عن العموم. وقال تعالى في قصة نوح عليه الصلاة والسلام:
* (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) * وعموم اسم الاهل يتناول ابنه ولأجله كان سؤال نوح بقوله: * (إن ابني من أهلي) * ثم بين الله تعالى له بقوله تعالى:
* (إنه ليس من أهلك) * وقال تعالى في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ضيفه المكرمين: * (إنا مهلكو أهل هذه القرية) * وعموم هذا اللفظ يتناول لوطا ولهذا قال الخليل عليه السلام إن فيها لوطا، ثم بينوا له فقالوا * (لننجينه وأهله) * فدل أن دليل الخصوص يجوز أن ينفصل عن العموم. وقال تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون