فكذلك المكان الذي يوجد فيه الفعل أو الزمان الذي يوجد فيه الفعل لا يكون له حظ في حصول البيان به، بل بجعل البيان حاصلا بفعله فقط إلا أن يكون هناك أمر مجمل في حق الزمان محتاجا إلى البيان أو في حق المكان، كما في باب الصلاة فإنا نعلم فرضيتها في بعض الأوقات (المخصوصة) واختصاص جواز أدائها ببعض الأمكنة بالنص فيكون فعله في الأوقات المخصوصة والأمكنة الطاهرة بيانا للمجمل في ذلك كله، فأما فعله في باب الحج بيان لقوله تعالى:
* (ولله على الناس حج البيت) * وذلك حاصل بالفعل لا بالوقت، لأنه ليس فيه أمر مجمل لاختصاص عقد الاحرام بالحج ببعض الأوقات دون البعض، وما كان ذلك إلا نظير مباشرة الطهارة بالماء في الوقت، فإن ذلك كان بيانا منه لأصل الطهارة المأمور بها في الكتاب، ولم يكن بيانا في التخصيص في الوقت حتى تجوز الطهارة بالماء قبل دخول الوقت بلا خلاف.
فصل: في بيان شرائع من قبلنا اختلف العلماء في هذا الفصل على أقاويل. فمنهم من قال: ما كان شريعة لنبي فهو باق أبدا حتى يقوم دليل النسخ فيه وكل من يأتي فعليه أن يعمل به على أنه شريعة ذلك النبي عليه السلام ما لم يظهر ناسخه. وقال بعضهم: شريعة كل نبي تنتهي ببعث نبي آخر بعده حتى لا يعمل به إلا أن يقوم الدليل على بقائه وذلك ببيان من النبي المبعوث بعده. وقال بعضهم: شرائع من قبلنا يلزمنا العمل به على أن ذلك شريعة لنبينا عليه السلام فيما لم يظهر دليل النسخ فيه، ولا يفصلون بين ما يصير معلوما من شرائع من قبلنا بنقل أهل الكتاب أو برواية المسلمين عما في أيديهم من الكتاب وبين ما ثبت من ذلك ببيان في القرآن أو السنة. وأصح الأقاويل عندنا أن ما ثبت بكتاب الله أنه كان شريعة من قبلنا أو ببيان من رسول الله (ص) فإن علينا العمل به على أنه شريعة لنبينا عليه السلام ما لم يظهر ناسخه، فأما ما علم بنقل أهل الكتاب أو بفهم المسلمين