الأصل والفرع. والصحيحة أربعة: الممانعة، ثم القلب المبطل، ثم العكس الكاسر، ثم المعارضة بعلة أخرى.
فأما المناقضة فإنها لا ترد على العلل المؤثرة، لان التأثير لا يتبين إلا بدليل الكتاب أو السنة أو الاجماع. وهذه الأدلة لا تتناقض، فإن أحكام الشرع عليها تدور ولا تناقض في أحكام الشرع، وقد بينا أنه لا توجد العلة بدون الحكم على الوجه الذي ظهر أثرها في الحكم، بل لا بد أن ينعدم الحكم لتغير وصف بنقصان أو زيادة، وبه تتبدل العلة فتنعدم العلة المؤثرة التي أثبت المعلل الحكم بها، وانعدام الحكم عند انعدام العلة لا يكون دليل انتقاض العلة. وهو نظير الشاهد فإنه مع استجماع شرائط الأداء إذا ترك لفظة الشهادة أو زاد عليها فقال فيما أعلم فإنه لا يجوز العمل بشهادته، وكان ذلك باعتبار انعدام العلة الموجبة للعمل بشهادته معنى. وبيان هذا أنا إذا عللنا في تكرار المسح بالرأس أنه مسح مشروع في الطهارة فلا يستن تثليثه كالمسح بالخف لا يدخل الاستنجاء بالأحجار نقضا، لان المسح هناك غير مشروع في الطهارة إنما المشروع إزالة النجاسة العينية حتى لو تصور خروج الحدث من غير أن يتنجس شئ مما هو طاهر لم يجب المسح أصلا، وإزالة النجاسة غير المسح وهو لا يحصل بالمرة إلا نادرا، فعرفنا أن انعدام الحكم لانعدام العلة.
وأما فساد الوضع فهو اعتراض فاسد على العلة المؤثرة، لأنه دعوى لا يمكن تصحيحها، فإن تأثير العلة إنما يثبت بدليل موجب للحكم كما بينا، ومعلوم أنه لا يجوز دعوى فساد الوضع في الكتاب والسنة والاجماع.
وأما وجود الحكم مع عدم العلة فإن الحكم يجوز أن يكون ثابتا بعلة أخرى، لان ثبوته بعلة لا ينافي كونه ثابتا بعلة أخرى، ألا ترى أن الحكم يجوز أن يثبت بشهادة الشاهدين، ويجوز أن يثبت بشهادة أربعة حتى إذا رجع اثنان قبل القضاء يبقى القضاء واجبا بشهادة الباقيين. وكذلك يجوز أن يكون الأصل معلولا بعلتين يتعدى الحكم بإحداهما إلى فروع