والمنافع لا تبقى وقتين والعين تبقى، وبين ما يبقى وبين ما لا يبقى تفاوت، فعرفنا أن ثبوت المساواة بينهما في مقتضى العقد حكم خاص ثابت بالنص فلا يقبل التعليل. وكذلك إلزام العقد على المنافع قبل وجودها حكم خاص ثبت للحاجة أو للضرورة، من حيث إنه لا يتصور العقد عليها بعد الوجود، لان الموجود لا يبقى إلى وقت التسليم، وما لا يتأتى فيه التسليم بحكم العقد لا يكون محلا للعقد، فلا يجوز تعدية هذا الحكم بالتعليل إلى المحل الذي يتصور العقد عليه بعد الوجود، وهو نظير حل الميتة عند المخمصة، فإن ثبوته لما كان بطريق الضرورة لم يجز تعليله لتعدية ذلك الحكم إلى محل آخر.
ومثال الفصل الثاني ما قال أبو حنيفة رحمه الله في جواز التوضي بنبيذ التمر، فإنه حكم معدول به عن القياس بالنص فلم يكن قابلا للتعليل حتى لا يتعدى ذلك الحكم (إلى سائر الأنبذة، ووجوب الطهارة بالقهقهة في الصلاة حكم معدول به عن القياس بالنص فلم يكن قابلا للتعليل حتى لا يتعدى الحكم) إلى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، لان النص ورد في صلاة مطلقة وهي ما تشتمل على جميع أركان الصلاة. وكذلك بقاء الصوم مع الأكل والشرب ناسيا، فإنه معدول به عن القياس بالنص، لان ركن الصوم ينعدم بالاكل مع النسيان، والركن هو الكف عن اقتضاء الشهوات، وأداء العبادة بعد فوات ركنها لا يتحقق، فعرفنا أنه عن معدول به عن القياس فلم يجز تعدية الحكم فيه إلى المخطئ والمكره والنائم يصب في حلقه بطريق التعليل.
فإن قيل: قد عديتم حكم النص إلى الجماع، وقد ورد في الأكل والشرب وكان ذلك بطريق التعليل. قلنا: لا كذلك بل قد ثبت بالنص المساواة بين الأكل والشرب والجماع في حكم الصوم، وإن ركن الصوم هو الكف عن اقتضاء الشهوتين جميعا فيكون الحكم الثابت (بالنص)